Beirut Real Estate – All this new towers for whom?

(as-Safir, December 3, 2010)

تزدان طرق لبنان من جنوبه إلى شماله بإعلانات عن تجمعات سكنية تعد بالهواء النقي والعيشة الهانئة بين غابات من الأشجار تتوسطها مسابح بمواصفات عالمية…

وهي، إعلانات، إلى كل ما خطّط له أصحاب المشاريع، تبيع المناظر المطلة على البحر، والرؤية الأعلى التي تشرف على سائر البشر، وكأنهم أوكار نمل تروح وتجيء بعيداً عن «المملكة». وإذا كانت السرعة مطلوبة في حجز الأماكن في «الجنة»، فإنه يتعين على الشاري تسديد ثلاثين في المئة من ثمن الشقة التي يختارها، وهي بعد صورة على جهاز كومبيوتر أو على سياج بقعة الأرض التي سيشاد عليها المشروع. أما في بيروت، فتكثر ورش العمار بين الأبنية، محتلة، في معظم الأحيان، مواقع مرائب السيارات أو البيوت التقليدية القديمة التي تهدّ، بصمت، الواحد تلو الآخر.

ويعد أصحاب الورش بأبنية حديثة تتماشى والتطور العمراني والتكنولوجي على حدّ سواء. لبعضها مداخل فوق المياه ولأخرى حدائق معلّقة… تحاكي الخيال، تماماً كما أسعارها حيث يتراوح سعر المتر المربع الواحد منها بين سبعة آلاف دولار وثلاثة عشر ألف دولار، وفقا للمناطق والأحياء. وتبين حسبة سريعة أن مبلغ مليون وأربعمئة ألف دولار، كحدّ أدنى، هو ثمن الشقة الواحدة، إذا كانت مساحتها مئتي متر مربع فقط، وإن كان موقعها في الطوابق «السفلى» من المباني الجديدة الشاهقة. منذ العام 2007، أي بعد حرب تموز مباشرة، لم يعد باستطاعة بيروت أن تقدّم «تنازلات» لأبنائها إذا كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى. فشوارع منطقة الحمراء والأشرفية… أضحت عصيّة عليهم، وهي تنادي أصحاب رؤوس الأموال أينما كانوا في الوطن، وفي المهجر.

وبدأت الضواحي تحذو حذو العاصمة، لترسم «بيروت كبرى» جديدة، تمتد من نهر الكلب شمالاً، حتى الشويفات جنوباً، حيث صارت أسعار الشقق في الضواحي أيضاً لا تقلّ عن مئتي ألف دولار للمئة وخمسين متراً مربعاً.

وعلى الرغم من أن «دليل العقارات العالمية» الصادر عام 2010، حذّر من أن «العقارات اللبنانية تقوّم بأكثر من قيمتها»، يصرّ الخبراء الاقتصاديون في تحاليلهم على أن لبنان لا يعيش حقبة فقاعة عقارية، وأن ارتفاع الأسعار الذي يرتفع بنسبة ثلاثين في المئة كل سنة بدءاً من عام 2007، ما سببه إلا الركود الذي طال أسعار الأراضي قبل تلك الفترة، بالإضافة إلى تناقص عددها لاحقا، مع تهافت الشارين من المغتربين اللبنانيين وأبناء الخليج العربي عليها…

بناء على كل تلك الأسباب، بات قدر أبناء الطبقة الوسطى الاكتفاء بالنظر إلى الأبنية الجديدة التي تبدّل وجه بيروت وضواحيها، وأن يحلموا بأن يتمكنوا يوما من السكن فيها… ومع تغير وجه المدينة الجغرافي، والطبقي، يتغير تكوينها الاجتماعي والديموغرافي. وإذ تقفل بيروت أبوابها في وجه أبناء الطبقة الوسطى، فإنها تصبح عصية على الحياة المختلطة التي كانت تحتضنها، حياة مختلطة طبقيا، ودينيا، وثقافيا.

قد لا يجد أي من المحللين الاقتصاديين حلاًّ لتلك الأزمة سوى بناء أبنية شاهقة، أو ناطحات سحاب. لكن هذا الحلّ يقتضي ترتيبات عديدة، تبدأ بزيادة نسب الاستثمار، كما يتطلّب سوقاً جديدة لمواد بناء جديدة ومختلفة عن المعهودة، كالفولاذ… وهي مسألة لا يسمح عدد من السياسيين حتى التلويح بها لدخولهم «شركاء ظلّ» في عدد من شركات مواد البناء والكسارات… ولاعتبارها جزءاً من منظومة المحاصصة التي يخضع لها كل شأن في البلاد.

تضيق خيارات شرائح كبيرة من اللبنانيين، لا سيما أن الحياة خارج بيروت تفتقر إلى بنى تحـــتية وخـــدمات وخطـــط نقل عام… فأين يذهبون؟

كيف ولماذا ارتفعت الأسعار؟

يشير الدكتور غازي وزني في دراسة أعدّها بعنوان «القطاع العقاري: بين الارتفاع والتصحيح» إلى أن لبنان شهد منذ عام 2007 طفرة عقارية «أدّت إلى ارتفاعات جنونية وعشوائية لأسعار العقارات، تراوحت في منطقة بيروت وضواحيها بين مئتين في المئة وثلاثمئة في المئة للشقق، وبين ثلاثمئة في المئة وأربعمئة في المئة للأراضي. وقد تجاوزت حجم المبيعات بين مطلع عام 2007 حتى النصف الأول من عام 2010 المليار دولار، فجنت الدولة اللبنانية رسوماً عقارية تقارب 2015 مليار ليرة، أي ما يعادل ملياراً وأربعمئة مليون دولار».

وقد نتجت تلك الطفرة، بحسب المهندس نقولا سعد، عن ركود أصاب القطاع قبل عام 2007، أدى إلى ارتفاع الأراضي بنسبة ثلاثين في المئة مرة واحدة من بعده، مشيرا إلى أنها «نسبة ارتفاع ما زال يحافظ عليها القطاع سنة بعد سنة».

ويعود السبب الرئيسي لارتفاع العقارات إلى «الارتفاع غير الملحوظ لأسعار الأراضي»، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان، لافتاً إلى جملة أسباب وراء هذا الارتفاع أبرزها «صغر مساحة العاصمة ما يجعل عدد الأراضي فيها يتناقص سريعاً فيما الطلب الكبير من قبل مغتربين لبنانيين وعرب غير مقيمين مرتبطين بمطورين عقاريين في الداخل» مؤكدا أنه «طلب غير مرتبط بمستوى مداخيل البلد».

أما وزني، فيضيف في دراسته إلى تلك الأسباب، سلسلة أخرى تبدأ بالأزمة الاقتصادية العالمية وانهيار الأسواق المالية، مرورا ببحث المستثمرين عن توظيفات أكثر أمانا واستقرارا كالقطاع العقاري، بالإضافة إلى انعدام الضوابط والتشريعات للوسطاء العقاريين، والتسهيلات المصرفية، وصولا إلى تحوّل المستـــثمرين العـــرب الخليجيين من شراء الشقق الفخمة للسكن إلى شــراء الأراضي في العاصمة والمناطق لتنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة.

أين تسكن الطبقة الوسطى؟

يؤكّد حمدان أنه مما لا شك فيه أن «القدرة على اقتناء مسكن ضعفت لدى أصحاب الدخل المتوسط، وهي صفة تنطبق على الأجراء الذي يشكلون ستين في المئة من الفئة العاملة، وعشرات الألوف من أصحاب المؤسسات الصغيرة كالدكاكين والمحال التجارية، داعيا إلى الأخذ بعين الاعتبار أن الطبقة الوسطى منقسمة إلى شرائح عدّة، «من الصعب على أفضلها حالاً اقتناء مسكن في بيروت أو في ضواحيها، فيما ينعدم الأمل كليا بالنسبة لأدناها دخلاً».

بناء عليه، يقترح حمدان إعادة النظر بالتشريعات المتعلّقة بالقطاع العقاري، وصولاً إلى استحداث ضريبة على التحسين العقاري، «لأنه من وجهة النظر الاقتصادية، إذا اشترى أحدهم عقاراً بمئتي ألف دولار وباعه بستمئة ألف، فهو لا يملك الحق بكامل الربح أي، الأربعمئة ألف دولار. وبالتالي، إذا ما تمّ استحداث تلك الضريبة، فبالإمكان أن يُقتصّ منها عشرون في المئة أو خمسة وعشرون في المئة لمصلحة صندوق عقاري عام، يشكّل ركيزة لبرامج خاصة بذوي الدخل المحدود».

إلى التشريعات الخاصة، يعتبر حمدان أنه بات ضرورياً، بالنسبة للمطورين العقاريين ولذوي الدخل المحدود على حد سواء، الاعتياد على فكرة السكن في شقق من ستين وتسعين متراً مربعاً.

ويجد سعد في الفكرة حلاً، لا سيما أن «سعر متر البناء يتراوح بين ألف ومئتي دولار وألف وأربعمئة دولار، ما يعني أن ثمن شقة من مئة وخمسين متراً مربعاً يساوي مئة وثمانين ألف دولار. ولاقتنائها، على اللبناني أن يبرهن أمام المصارف الدائنة أن دخله يتراوح بين ألف وسبعمئة دولار وألفي دولار، وهو بالطبع دخل لا تتقاضاه إلا قلة من اللبنانيين».

إلى ذلك، يقترح سعد البدء بتشييد مبان من طوابق كثيرة، كناطحات السحاب «فحينها بدل أن يُقسّم سعر الأرض على عشر شقق أو ثلاث عشرة شقة، تتحمله أربعون أو حتى أكثر»، إلا أنه يؤكّد في الوقت ذاته أن أبنية من ذلك النوع تتطلب أنواعاً جديدة من مواد البناء، وهي «فكرة لن يحبّذها عدد من السياسيين لدخولهم شركاء «ظل» في بعض معامل وشركات المواد المعهودة كما الكسارات». ومن الصعب أن يناضل من اجلها حزب أو تيار لأن لكل منهم حصّته من الجبنة. مثله، يطالب حمدان بزيادة نسبة استثمار الأراضي، لكنّه يعتبر أن خططاً حكومية جدّية باتت ضرورية «لا سيما أنه من المتوقع أن ينتقل ثلث سكان بيروت إلى العيش خارجها بعد أقلّ من عشر سنوات. وبالتالي سيصبح من الملحّ وضع خطط تطال البنى التحتية والنقل والطرق… كل ذلك من دون الغوص في تحديد «بيروت» وإذا كان التفكير يدور حول بيروت الإدارية أو بيروت بمفهومها الأوسع، أي من نهر الكلب إلى الدامور».

التوقعات

في تقريرها السنوي لعام 2009 حول «حركة تسجيل المعاملات»، تشير نقابة المهندسين في بيروت إلى أن نشاط قطاع البناء ما زال متصاعداً، وقد أظهر مؤشر تنفيذ مشاريع البناء، الناتج عن تسجيل معاملات «أمر مباشرة بالتنفيذ»، زيادة بنسبة 46 في المئة عن العام الذي سبقه، في حركة توزّعت على كافة المناطق اللبنانية. كما أظهرت إحصاءات النقابة أن نسبة المساحات المسجلة لمعاملات رخص البناء السكني الجديدة ارتفع بكافة أنواعه إلى حدود 84 في المئة، وهي نسبة ناتجة عن طلب الترخيص لحوالي 21774 وحدة سكنية توزعت بين منازل وفيلات وشقق… فيما سجّلت الأبنية التجارية والمكاتب تراجعاً نسبته 4،4 في المئة بعدما كانت تقارب التسعة في المئة عام 2000.

ولا تدل تلك الأرقام على أن لبنان يشهد فقاعة عقارية، لكن حمدان وسعد ووزني يؤكدون أن القطاع لن يشهد هبوطاً دراماتيكياً، وأن أي تراجع في الأسعار لن يصيب الشقق المتوسطة، بل تلك الفخمة، «ولكن بشكل بسيط،» بحسب وزني الذي يعلل ذلك بـ«تراجع اهتمام المستثمرين العرب، وتحول الطلب من الشقق الفخمة إلى المتوسطة، بالإضافة إلى عدم وجود استحقاقات مالية داهمة تدفع أصحاب الأراضي للبيع، وتزايد مخاطر المشاريع العقارية الجديدة نتيجة توقع تباطؤ عمليات بيع الشقق وارتفاع الفوائد وتراجع الربحية، مقابل تحقيق أرباح ضخمة تجاوزت الخمسين في المئة في السابق مع بيع كثيف وفوائد متدنية».

من جهته، يعتبر سعد أن لا خوف من هبوط أسعار العقارات كما حدث في الخليج لأن المستثمرين في لبنان هم في معظمهم ثابتون، أي أن نسبة المغتربين الذين قاموا بشراء الشقق تفوق 65 في المئة، مقابل 35 في المئة من العرب، «وبالتالي لدينا شريحة صغيرة من المستثمرين الذين يشترون لإعادة بيع العقارات».

ويرى أنه من الطبيعي أن يزيد سعر الأرض بنسبة سبعة أو عشرة في المئة كل سنة لندرة توفرّها، لافتاً إلى أن «المطورين العقاريين يبيعون أرضاً وشققاً بسعر الأرض التي سوف يشترونها في السنة التالية وإلا خسروا أموالهم». وهو أيضاً يتوقع جموداً في الطلب على الشقق الفخمة ما سيحمل أسعارها إلى الانخفاض.

المؤسسة العامة للإسكان وبصيص الأمل

تشكّل التسليفات العقارية من قبل المصارف، التي يسمح لها النظام اللبناني باستخدام الاحتياط، حوالى سبعة في المئة من إجمالي التسليفات التي تقدّمها، أي ما يوازي مليارين وأربعمئة وعشرين مليون دولار، بحسب وزني. بالتالي، فإنها فعلياً لا تشكّل حافزاً أمام الطبقة الوسطى، التي تتألف في لبنان من أصحاب الدخل المحدود، لأن المصارف تطلب ضمانات كبرى قبل التسليف لا يمكن لتلك الطبقة أن تلبيها. وتبقى «المؤسسة العامة للإسكان» بصيص الأمل الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه. في الأرقام، يلفت رئيس مجلس إدارة المؤسسة عبد الله حيدر إلى أن المؤسسة قدّمت ما يفوق الخمسة آلاف وخمسمئة قرض حتى شهر تشرين الأول من السنة الحالية، أي بمعدّل 550 قرضاً كل شهر، «لكن ذلك لا يعني أننا نملك خطة سكنية متكاملة على الرغم من أننا نحلّ مشكلة السكن لحوالى 25 في المئة من نسبة الزيجات التي تتم سنوياً في لبنان والتي تقدّر بحوالى 25 ألف زواج سنوياً، كما أننا نعمل بالطاقة القصوى المتوفرة لدينا». ويعتبر حيدر أن عام 2010 مضى من دون أي مشاكل تذكر، بعدما اتصف عام 2008 بعام استبدال المنازل من قبل المستفيدين من القروض، وذلك على خلفيات مذهبية. أمّا عام 2009، فقد شهد عودة البائعين عن قرارات البيع بسبب ارتفاع أسعار الشقق. ويلفت حيدر إلى أن بقعة السكن توسعت خارج بيروت إلى أبعد من الدامور جنوباً، فيما تفوّقت جبيل على قضاءي كسروان والمتن في طلبات القروض… مؤكدا أن «الحاجة باتت ملحّة في العاصمة ومحيطها إلى الشقق الصغيرة في العاصمة ومحيطها».

وما زال السقف الأعلى الذي تقدمه المؤسسة هو 120 ألف دولار، في حين يكشف حيدر أن مسؤوليها هم بصدد دراسة إمكانية رفعه إلى مئتي ألف دولار «لكننا نتخوّف في تلك الحالة من لجوء المطورين العقاريين إلى رفع أسعارهم».

من جهة أخرى، يؤكّد حيدر أن المؤسسة تهتّم بطلبات القروض المخصصة للبناء التي ارتفعت بنسبة سبعة في المئة لقيام «ذوي الدخل المحدود بشراء أراض ثم يقترضون للبناء فوقها»، معتبرا أن «تلك حالة مثلى بالنسبة لنا لأنها تعني أن الناس تتشبث بأرضها، علماً أن عددا كبيراً من أراضي المناطق والقرى ما زالت غير ممسوحة».

ما زال في أدراج المؤسسة التي تأسست عام 2000، نحو 43500 عقد اليوم، من أصل 53 ألف طلب مقدّم. وهي تدرس حاليا ثلاثة آلاف طلب جديد.