(an-Nahar Shabab, September 30, 2010)
تمر ليلى وابنتها تانيا قرب أحد الأفران في شوارع الدكوانة. تحاول ليلى قراءة اسم المحل لكنها تعجز. تسأل تانيا فتجيبها ضاحكة:”Man2ouche b Za3tar”. ليلى ليست أميّة غير أنها لا تفقه اللغة التي يستخدمها الشباب من عمر تانيا وقوامها مزيج من الأحرف اللاتينية والأرقام…
قليلون هم الذين لا يتابعون القاموس الجديد لجيل “الديجيتال” الذي يولد من رحم الأجهزة التكنولوجية. مفردات ورموز غزت لغة الوسائل الرقمية، من الكومبيوتر والهاتف الخليوي، تقنيات تحتلها اللغة المحكية، لتتجسد بوضوح في خطاب يومي انتقل مع الشباب على وجه الخصوص، من إطار المشافهة إلى الحيز الكتابي عبر الهاتف والانترنت
انعكس تنامي هذه الوسائل انتشاراً للغة مستحدثة، بحيث لم يعد وفود المصطلحات والمفردات على اللغة المحلية محصوراً بالكلمات التي لا مرادفات لها، بل طاول الذهنية في شكل خاص. فاللغة العربية تتغير، وهذا طبيعي، لكن مجامع اللغة تتفرّج، وليس في وسع أحد استشراف ما سيؤول اليه هذا الواقع، فيما مستوى جيل الشباب في اللغة العربية إلى انحدار. فأي لغة نتكلم ونكتب؟
“نهار الشباب” يسلط الضوء على لغة “الأرابيش”، بما في ذلك تفاصيل التعامل معها لجيل الألفية الثانية: هي لغة مبتكرة تقوم على كتابة الأحرف العربية المنطوقة ودلالاتها الصوتية بأحرف لاتينية وأرقام أجنبية. وهي مستوحاة من لغة الانترنت والمحادثة الالكترونية (مثل MSN) وغرف المحادثة. فمن البديهي القول إن هذه اللغة ولدت مع انتشار استخدامات التكنولوجيا الحديثة، الامر الذي ادى الى انتشار رموز ومفردات لغوية جديدة في اوساط الشباب كونهم اكثر المستخدمين لهذه التكنولوجيا. وتترجم هذه الرموز حروفاً عربية بعينها، مثل استخدام رمز 7 للتعبير عن حرف الحاء، وقد تعبر هذه الرموز عن اختصارات لجمل لغوية كاملة. اما ميزة اللغة الجديدة فهي في كونها غيرعربية ولا انكليزية، وإنما مزيج من اللغتين تعرضت للنحت اللغوي فأصبح اسمها لغة Arabish كما يسميها الشباب، اي الجزء الاول من كلمة Arabic والجزء الأخير من كلمة English.
أحرف وأرقام
تتميز هذه اللغة الشبابية ايضاً بأنها ذكية ومبتكرة، اذ استطاعت ان تجد بدائل انكليزية لكل الاحرف العربية من دون استثناء. فحرف الحاء اصبح يرمز إليه بالرقم 7 لتقارب رسميهما، وبدل القول “مرحبا” بحرف h بات يكتب بالرقم وصار mar7aba اثناء المحادثة الالكترونية، فيفهم انها “مرحبا” بنطقها العربي. وينسحب المنطق عينه على حرف العين الذي يشبه الرقم 3 فيمكن القول 3ala بدل “على”، أما الهمزة فتستبدل بالرقم 2 وحرف الطاء الذي يشبه الرقم 6 والصاد الذي يستعاض عنه بالرقم 9 المشابه له. كما يعمد المتحدثون بـ “الأرابيش” إلى إضافة نقاط على هذه الأرقام لترمز إلى حرفي الضاد او الظاء، ولم يكن هذا الابتكار بالامر السهل، لكن الحاجة دائما ام الإختراع!
وكان مستخدمو الانترنت من الشباب توصلوا من خلال الملاحظة الدقيقة إلى اكتشاف أوجه الشبه، بين رسم عدد من الارقام الانكليزية وبين شكل بعض الاحرف العربية التي لا تقابلها أحرف تشابهها بالنطق باللغة الانكليزية او الفرنسية، مما اوصلهم إلى ابتكار لغة كاملة (يمكن القول إنها عربية) تستخدم الأحرف اللاتينية. ولا يقتصر استخدام هذه اللغة المبتكرة على من لا يجيد اللغة الإنكليزية، فقد لجأ مستخدمو الانترنت العرب الذين يعيشون في دول اجنبية الى هذه الوسيلة ايضاً للتعبير باللغة العربية عن افكارهم ولكن بأحرف لاتينية.
لغة التفاصيل اليومية
خرج اسلوب تلك الكتابة من اطار الهواتف والكومبيوترات ليدخل إلى شوارع بيروت وضواحيها. اذ يصادف المرء أفراناً ومطاعم ومحالاً تجارية تتبع الأسلوب نفسه في كتابة اسمائها أي تستعمل لغة “الأرابيش”.
الى جانب هذه اللغة يتداول الشباب الانكليزية “العامية” للتواصل في ما بينهم. وتلعب الارقام ايضاً دوراً مهماً في هذه اللغة، وخصوصاً الرقمان 2 و4، اذ يستعملان مكان كلمتي to (الى) وfor (لأجل). لكن التطور الأكثر إثارة للاهتمام هو تبني الرقم 3 كبديل للحرف E والرقم 8 كبديل للفظ eight بالانكليزية، اذ تستعمل gr8 بدلا من great. ومن المختصرات العامية التي طرأت على اللغة الانكليزية ايضاً، استعمال حرف u بدلاً من you و4b بدلاً من before وcu بدلاً منsee you.
تطمينات ألسنية وهواجس أكاديمية
الدكتور غسان مراد، استاذ الألسنية المعلوماتية في الجامعة اللبنانية يرى ان كل تطور تقني يؤدي حتماً إلى تغييرات في تمثيل المعرفة، مما يعنى: “ان كل تطور في التقنيات والأدوات التي يتعامل معها في شكل عام ينعكس تطورا في أساليب التعبيرعن هذه المعرفة. قد لا تقضي هذه الأدوات المتوافرة أغراضاً مثل الكتابة أو الإشارات، لذا يتم ابتكار إشارات جديدة كي تعبّر عن هذه المعرفة”.
حالياً، وبما انه حصل تطور تقني حديث وحامل للمعلومات، مثل الخليوي أو الكومبيوتر، “بات الأمر، وفق مراد، في حاجة إلى إشارات حديثة تساعد على تمثيل هذه المعرفة التي يعبر جيل الشباب من خلالها، بحيث يعيد المزج ما بين الكتابة الصورية التي تترجم مباشرة المفهوم وبين الكتابة الرمزية أي الأحرف الأبجدية”.
هل تؤثر الكتابة بهذا الأسلوب على اللغة العربية؟
لا يخشى على اللغة العربية من أي تأثير، “أظهرت الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة ان ما من تأثير فعلي على الكتابة، إلا في حال مساعدة الضعفاء في الإملاء لاستخدام بعض الإشارات لعدم تمكنهم من كتابتها بالشكل الصحيح”، على ما قال مراد.
وبسؤاله عمّا إذا كانت تلك الكتابة ستحل مكان الكتابة التقليدية وتلغي اللغة العربية في ما بعد؟ اجاب “لا أتخيّل للحظة أن اللغة العربية التي يتحدث بها نحو 300 مليون نسمة ستؤثر عليها لغة “الأرابيش” بأي بشكل أو تلغيها”. وأكمل: “إن الكتابة الصورية التي تستخدم حالياً لا يمكن أن تلغي لغتنا لسبب بسيط جداً هو ان ليس لديها قواعد بينما القواعد متوافرة في لغتنا المتداولة”.
كاختصاصي في مجال الألسنية، يعتبر مراد أنه في حال كان تأثير ما على اللغة فالسبب يعود إلى أمرين: “جيل الشباب الذي يخلق هذه الكلمات أو المصطلحات، وجهات أخرى تكرّس هذه الكلمات من خلال القواميس. فإذا كانت الجهة الثانية التي تستخدم المصطلحات هي الطاغية، عندها يصبح التأثير وارداً أكثر على مستقبل اللغة، لأن طريقة النحت للمصطلحات الحديثة يجب أن تتلاءم والقواعد اللغوية من ناحية الصرف والنحو والدلالة”.
بعد مرحلة معينة من الزمن، يلفت الى ان ثمة تغييرات في عملية اللغة لا سيما منها المكتوبة، بهدف كتابة الجمل بطريقة أقصر من الجمل التي نكتبها حالياً.
وختم قائلاً: “لا داعي للقلق، إنما هذا الخوف هو تغطية لمشكلات أخرى مرتبطة بعملية التأهيل اللغوي بذاته المتوافر في المؤسسات الرسمية والمؤسسات الأكاديمية والمجامع والقواميس والإعلام… الخ”.
“الارابيش” تلغي عقبات التواصل
من جهتها، ترى الدكتورة أمل يازجي، الأستاذة المساعدة في اللغويات التطبيقية والتربية في جامعة سيدة اللويزة، ان “شريحة واسعة من المجتمع المحلي وغير المحلي تدرك تماماً كيفية التعامل والتخاطب بلغة “الأرابيش”، ويعني ذلك ان عملية التواصل تتم من دون حواجز أو عقبات”.
تتكيّف يازجي يومياً مع واقع لغة الشباب كونها تدرّس مادة اللغويات. فتعتبر ان جيلهم لا يكتفي بالتعرّف إلى المعلومات التقنية فحسب، بل يأخذ الأمر على عاتقه ليبتكر بنفسه شيئاً ما جديداً ينسجم وتطلعاته. فكانت هذه لغته الخاصة المتطابقة مع ثقافته. “لم تعد لغة الإنترنت تقتصر على الرسائل القصيرة عبر الهاتف الخليوي أو “Chat” عبر الإنترنت، إنما دخلت في صلب حياتهم الأكاديمية إذ يستخدمون هذا النهج في الكتابة، في المقالات أو في مشاريعهم الأكاديمية على الدوام من دون تردد”.
كيف تتعاملين مع هذا الواقع؟ “كمدرّسة لغوية لا يمكن ان أغفل هذا الأسلوب في الكتابة، وبالتالي من الضروري إعادة تصحيحها، تجنباً لعدم تكرار استخدامها من جديد. ولا أقبل أي مشروع مطبوع بهذه اللغة، لأن تدريسي لهذه المادة يفرض عليّ ان أفعل ذلك”.
ومع ان يازجي ترى في الشباب طموحاً لا حدود له نحو التغيير، إلا انها ليست متفائلة بالخير في حال استمر ابتكار اللغات على حساب لغاتنا الأساسية وبسرعة في المستقبل. وهي قلقة على تلامذة المدارس من تأثير لغة “الأرابيش” السلبي على تعلمهم اللغة العربية قراءةً وكتابةً. إلى ذلك، تكشف عن أن مدارس ستلجأ إلى تخفيف القواعد لدى الكتابة في اللغة الإنكليزية واعتماد الإختصارات في الكتابة، “لا أتخيل أن يكتب التلميذ كلمة Skool بدلاً من School بأحرفها الأصلية. فلا نعلم إلى أي لغة ذاهبون؟”.
قد يتعرّض الشباب للإنتقادات لمجرّد انهم يتحدثون بلغة تشبههم، ولكن، كما في كل عصر، لا مفر من ان تتأثر لغة هذه المرحلة بواقع ناسها الإجتماعي. وكما في كل عصر أيضاً، سيسلّم البعض بهذا التأثير، ويستمر آخرون في رفضه…
نيكول طعمة
nicole.tohme@annahar.com.lb
May I have it translated in English or French? I’m Italian and I’m fond in Linguistics.
Many thanks.