(as-Safir, October 8, 2010)
بدعوة من منظّمة «آندي أكت»، نفذت منظمات وجمعيات حقوقية تظاهرة أمام وزارة الداخلية، أمس، احتجاجاً على الاعتقال التعسفي للاجئين في لبنان، رافعين لافتات منددة بـ«الانتهاكات ضد كل المساجين في السجون اللبنانية»، ومردّدين أغنية جماعية «من وحي المناسبة» على وقع قرع الطبلة. تقول كلمات الأغنية: «يا وزير الداخلية.. اهتمّ بالقضية».
وعلى وقع أنغام الأغنية والشعارات التي كانت تطالب باستقالته، خرج وزير الداخلية زياد بارود من مكتبه في الوزارة، ليشرح للمعتصمين رأي الوزارة بـ«قضيتهم».
بدا بارود في موقع الدفاع في البداية، مما زاد من حدّة نبرة المتظاهرين. استمع الوزير الى مطالب المعتصمين التي تولّت شرحها فرح قبيسي، وهي عضو في «التجمع اليساري من أجل التغيير»، قائلة «هذه ليست المرة الأولى التي يُضرِب فيها لاجئون عن الطعام في لبنان. ففي آذار الماضي، عمد عدد من المحتجزين تعسفاً إلى الإضراب عن الطعام وتشطيب أنفسهم احتجاجاً على المعاملة غير الإنسانية للقوى الأمنية. وعلى الرغم من ان المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة اعترفت بهؤلاء المحتجزين كلاجئين، إلا أن الأمن العام أبقى على احتجازهم من دون أي مبرر شرعي».
فردّ مؤكداً أنه ليس «سعيداً بالأعباء التي تلقى على عاتقي. ولا أتعامل مع موضوع اللاجئين بعنصرية»، مشدّداً على أن الدعوة إلى محاسبته كوزير يجب أن تكون بناء على «عدة العمل» التي يملكها، وبمعنى أدق، أوضح الوزير أن «الدخول إلى البلاد خلسة، هو أمر متعلق بالقضاء وليس بوزارة الداخلية أو الأمن العام. أما بالنسبة للاجئين، فإنه وعلى الرغم من أن لبنان ليس بلد لجوء، فإن الأمر منوط بالمفوضية العليا للاجئين، والتي تمنح اللاجئ إقامة مدتها ثلاثة أشهر».
ولمّا قال بارود إنه أرسل مدير مكتبه إلى الناشط عبد المنعم إبراهيم، الذي لا يزال مضرباً عن الطعام منذ أكثر من أسبوع احتجاجاً على معاملة القوى الأمنية للسودانيين في لبنان، ليشرح له موقف الوزارة من القضيّة، جوبه كلامه بجملة من الاعتراضات. ووصف المعتصمون لبارود مشاهداتهم اليوميّة لدى زيارتهم لابراهيم من «تهديدات قاسية، وروتينية، يوجهّها عناصر الأمن العام والأمن الداخلي إليه». فطلب منهم بارود تزويد الوزارة بالأسماء التي يعرفونها لحلّ الموضوع، داعياً الشبان، قبل أن يغادرهم، إلى التعاون معه، فردّ عليه أحدهم صارخاً: «نحن نساعدك عبر هذه التظاهرة، لأننا، يا معالي الوزير، نعرف وضع هذا البلد».
كان عبد الرحمن ماسار يقف على بُعد أمتار قليلة من الباحة المواجهة لوزارة الداخلية، مراقباً التظاهرة. يبدو ماسار، الفتى العشريني، متوجساً من المشاركة. الشاب، وهو عامل تنظيفات في لبنان منذ خمس سنوات، وفد بقصد المشاركة الاحتجاجية، لكنه عزف عن رأيه عندما رأى القوى الأمنية تنتشر في محيط المظاهرة، مع العلم انه يملك أوراقاً شرعية للإقامة.
في جهة أخرى ليست بعيدة عن مكان التظاهرة، يعيش أشخاص يتوجسون من التجوّل في محيط منازلهم، وآخرون يقومون بإجراءات «تحذيرية» أثناء عودتهم من العمل، أي عمل: حاجب مبنى، عامل تنظيفات، بنّاء، وغيرها. وهو، المتوجس، يكون إما لاجئاً، أو أنه دخل البلاد خلسةً، لأسباب مادية في العادة ،هرباً من العوز، ولأسباب سياسيّة أحياناً.
لا أرقام رسميّة، أو غير رسميّة، في لبنان، لعدد اللاجئين إليه، وهو بلد «عبور» لا يستقبل اللاجئين. وتقدّرالمفّوضّية العليا للاجئين عدد السودانيين في البلاد بأكثر من ستة آلاف لاجئ، هاجروا من جنوبي السودان ومن دارفور بعد انتهاء الحرب الأهلية في العام 2005.
وتشير المعلومات إلى أن ثلث السودانيين في لبنان لا يملكون أوراقاً شرعية، في الوقت الذي يعاني «الشرعيون» منهم من أعباء الرسوم الباهظة لتجديد الإقامات وإجازات العمل. يقول ماسار إن صديقه دفع حوالى ألف دولار لـ«المهرّب»، و«الآن.. يحاول أن يدّخر أموالاً ليغادر هذا البلد، إلى أي بلد آخر، بأي طريقة، لكن من دون العودة إلى بلده: السودان».
ولا تقتصر معاناة اللاجئين في لبنان على السودانيين. ويشير الإحصاء الأخير للمفوضية العليا للاجئين الصادر في تشرين الثاني الماضي، إلى أن العراقيين يشكلون العدد الأكبر من اللاجئين «المسجّلين» في لبنان، ويقدّر عددهم بنحو 10295 لاجئاً، يليهم السودانيون الذين وصل عددهم إلى 98 فالسوريون وعددهم 62 لاجئ، مع الإشارة إلى أن المفوضية تقدّر العدد الفعلي لللاجئين العراقيين في لبنان بحوالى خمسين الفاً.
وتنطبق صفة اللاجئ، رسميّاً، على كل شخص «خارج حدود بلده، بسبب شعور له ما يبرره لجهة التعرض للاضطهاد، لأحد الأسباب التالية: الدين، أو العرق، أو الجنسية، أو الرأي السياسي، أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة».
وينص قانون الأجانب، المادة 29، أنه «بإمكان كل أجنبي موضوع ملاحقة أو محكوم عليه بجرم سياسي من قبل سلطة غير لبنانية، أو مهددة حياته أو حريته لأسباب سياسية، طلب منحه حق اللجوء السياسي»، بشرط أن يصدر قرار منح اللجوء عن لجنة مؤلفة من كل من وزير الداخلية ومدراء العدلية والخارجية والأمن العام، فيما لم تشكل هذه اللجنة حتى يومنا هذا.
وتجدر الإشارة إلى ان تاريخ لبنان شهد صدور بطاقة لجوء واحدة، كانت من حصة الياباني كوزو أوكاموتو في العام ألفين، وقد تمّ ذلك لأسباب سياسية محليّة.
بارود: مسؤولية السفارات
على هامش الاعتصام، قال بارود لـ«السفير» إن وزارته طلبت من مجلس الوزراء، في نيسان الفائت، «تشكيل لجنة وزارية لمناقشة كل هذه القضايا بالتفاصيل، وقدم لنا المجلس مئتي مليون ليرة لترحيل الذين يدخلون البلاد خلسةً، لكن معظمهم يرفض الترحيل».
ولفت بارود إلى ان «القانون ينص على احتجاز الأجانب الذين يدخلون الى لبنان بطريقة غير شرعية، وهذا أمر ليس مرتبطاً بأوضاع اللاجئين «المسجّلين» لدى المفوضية العليا للاجئين ونحن نتابع شؤونهم معها، وهي الجهة التي تسمح بمنح اللاجئ إقامته في لبنان، عبر تأكيدها صفة اللجوء على هذا الشخص أو ذاك».
وعن سبب الإبقاء على المحتجزين الذين انتهت مدد إقامتهم في السجون، يقول بارود إن «الحكم مهمة القضاء وليس وزارة الداخلية من جهة، بالإضافة إلى أننا لا نستطيع إخلاء سبيل من لا يملك أوراقاً شرعية أصلاً، إذ سيتم احتجازه مرة أخرى من قبل أول دورية أمنية تصادفه»، لافتاً إلى أن «فرضية ترحيلهم إلى بلادهم تبقى منوطة بسفارات بلادهم، والتي بدورها تعيد تقصيرها في هذا الصدد إلى كونها لا تملك الأموال الكافية».
واعتبر بارود أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه هو في هذا الصدد، يتمثّل في «انني لم أعقد مؤتمراً صحافياً بغية شرح هذه التفاصيل، الأمر الذي أدّى إلى التباسات عدة عند الرأي العام».
Lascia una risposta