Borders, Jisr al-Qamar border between Akkar and the Homs region

(as-Safir, November 9, 2010)

لطالما شكل موقع وادي خالد على الحدود اللبنانية السورية، وبمحاذاة النهر الكبير، نقمة بالنسبة لأبناء تلك المنطقة الذين حوصروا دوماً ومن مختلف النواحي بحجة «التهريب». الصفة التي لازمتهم ومنذ سنين طويلة، وبالتحديد يوم وجه أبناء الوادي أنظارهم الى الداخل السوري ونشطوا تجارتهم التي امتدت على طول خط البقيعة والحدود بين وادي خالد وسوريا على نهر الصفا، وكذلك على النهر. وقد استفاد عرب الوادي من ذلك الموقع الحدودي، ومن الحالة الأمنية وغياب سلطة الدولة التي لم يشعروا بوجودها والتي لم تعترف بهم إلا عام 1994، عندما حصلوا على الهوية اللبنانية. الأمر الذي شكل مفارقة لافتة لألفي عائلة، أي لخمسة عشر ألف مجنس بقوا لسنين طويلة مواطنين قيد الدرس، فعملوا على تنشيط تجارتهم التي اتخذت شكلين أساسين: أولهما بيع البضائع اللبنانية والمستوردة إلى السوريين، والشكل الثاني هو بيع البضائع المهربة من سوريا الى لبنان، وقد أقيم بين العامين 1975- 1978 أكثر من 800 محل تجاري على امتداد الطريق في البقيعة حيث نشطت حركة التجارة بشكل كبير.

واستمر ذلك الواقع حتى عام 1989، عندما قامت قوات «حرس الحدود السورية» بوضع حد للعمليات غير النظامية التي كانت تتم بين البلدين. في تلك الأثناء كان قد عاد الاستقرار إلى لبنان ما استتبع عودة للحياة الطبيعية، فانصرف الناس إلى الانشغال بأعمالهم الزراعية والمهنية والتجارية. خصوصاً أن اعتماد أبناء الوادي على الوظيفة الرسمية ضعيف جداً لأنها كانت تفرض على طالب الوظيفة أن يحوز على الجنسية منذ أكثر من عشر سنوات، وهم لم يحصلوا عليها إلا متأخرين، لذلك لا يتعدى حجم المنتسبين منهم الى الجيش والقوى العسكرية المئتين. وفرض ذلك الواقع حصاراً على أبناء الوادي الذين منعوا من العمل بالتجارة ومن الحصول على وظائف رسمية والشعور برعاية الدولة التي ما زالت غائبة لغاية اليوم عن المنطقة التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة.

«معبر شرعي»

وبالرغم من أن الوضع الاجتماعي والإنمائي للمناطق الحدودية ومنطقة وادي خالد بالتحديد، دائم الحضور في الاجتماعات واللقاءات التي يعقدها المسؤولون وفعاليات عكار والذين إرتأوا منذ سنتين تقريباً استحداث معبر شرعي بين البلدين لتنظيم حركة مرور البضائع والأشخاص ولتنشيط المنطقة اقتصادياً وإنمائياً، إلا أن افتتاح معبر جسر القمار الحدودي الذي يربط لبنان بسوريا لم يغير شيئاً بالنسبة لأهالي المنطقة الحدودية الشمالية بالرغم من مرور حوالى سنتين على افتتاحه. وهو لا يبعد عن مدينة حمص سوى أربعين كيلومترا، وبالرغم من أهميته كمعبر شرعي بين البلدين، إلا أنه لا يشكل عائقاً أمام التواصل الموضوعي والطبيعي والتاريخي خارج الإطار الرسمي، خصوصاً بالنسبة لأهالي وادي خالد والمشاتي (مشتى حسن ومشتى حمود) اللذين تربطهم علاقات قرابة مع الأهالي في المقلب الآخر، إذ لا يمكن لأحد من خارج تلك المنطقة أن يعرف طبيعة العلاقات القائمة فيها، والمصالح الحيوية لأبنائها مع الجارة سوريا، حيث أنشأ العديد من المواطنين مصالح تجارية لهم على الأراضي السورية، وبالتحديد في مدينة حمص حيث يملكون منازل وأراضيَ. ولا يشعر أبناء تلك المنطقة بالفرق بين البلدين ولا يتقيدون بالحدود التي ترسمها الدول بين بعضها البعض، بل على العكس يقرون بفضل سوريا التي لم تبخل عليهم بأي شيء، يوم افتقدوا رعاية الدولة اللبنانية لهم.

وإنشاء المعبر تنفيذاً للقرار 1701، زاد من الحصار المفروض على المنطقة ما دفعهم إلى التحايل على الواقع القائم. فعملية تأمين الحاجات الاستهلاكية عبر النهر الكبير لم تتوقف، كما أن انتقال الأفراد بين الجانبين ما زال يتم بطريقة غير شرعية.

زيارات ووعود

وبالرغم من الزيارات الرسمية المتعددة التي شهدها المعبر في الأشهر الماضية، والتي كان آخرها زيارة رئيس «اللجنة التقنية المكلفة وضع خطة لضبط الحدود ومراقبتها» وزير الدولة جان أوغسبيان، والتي رافقه خلالها نواب المنطقة ومستشارون وممثلون عن «مجلس الانماء والاعمار»، إلا أن الوعود لم تغير شيئاً على أرض الواقع، ولم يلمس الأهالي أي تحسن في أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، والتي كان آخرها الكارثة التي حلت بأبناء المنطقة جراء الحادثة الأمنية التي وقعت مع «القوة المشتركة لضبط ومراقبة الحدود» والتي أودت بحياة أربعة من أبناء المنطقة، هذه الحادثة سلطت الضوء على عمل ودور القوة المشتركة.

ويرى ابن المنطقة، الأستاذ المحاضر في معهد العلوم الاجتماعية الفرع الثالث، الدكتور غسان الخالد أهمية لمعبر جسر قمار الحدودي، الذي يعتبر المعبر الثالث شمالاً بعد معبري العبودية والعريضة، «خصوصاً لجهة قربه من مدينة حمص، مما يسهل عبور أهالي المنطقة المجاورة إلى الداخل السوري حيث يملكون العديد من المنشآت، لكن ضعف الحركة عليه تعود الى أن هذا الجسر لم يتم تجهيزه بعد بالشكل المطلوب ليستقبل الشاحنات التجارية، كما أن الجانب السوري لم يستحدث خطاً لعبور سيارات الأجرة السورية (كخط حمص ـ طرابلس) إلى الأراضي اللبنانية».

ويعتبر رئيس بلدية المقيبلة علي حسن السعيد أن «يداً خفية تعمل على عدم تحديث المعبر بالشكل المطلوب، فالعمل الاداري غير مكتمل ويشوبه العديد من الأخطاء»، مؤكداً أن «فعاليات البلدة تعمل لافتتاح المعبر بشكل كامل أمام السيارات الخصوصية والعمومية، بهدف تنشيط الحركة التجارية والسياحية في المنطقة». ويلفت السعيد إلى «الزيارات المتتالية التي قامت بها اللجنة الاستشارية، والتي لم تنفذ لغاية اليوم شيئاً يمكنه أن يغير من واقع الحال المزري»، آملاً أن «يتم تنفيذ الوعود التي تم إطلاقها، خصوصاً لجهة تحسين مداخل لبنان لكي تصبح قادرة على استقبال السياح».

ويشير رحيل حمادة (صاحب موقف للنقل) إلى أن «الحركة خجولة جداً على معبر جسر القمار، إذ يقتصر المرور على بعض السيارات السياحية التي تقصد سوريا وبعض البلدان المجاورة، فبالكاد يمكن للسائق وبعد انتظار ساعات طويلة من تأمين طلب ركاب، غالباً ما يكون غير مكتمل».

ويلفت محمد كساب (صاحب فان) إلى «الحالة المزرية التي يعيشها أبناء تلك المنطقة جراء انعدام فرص العمل، بالرغم من ارتفاع نسبة حملة الشهادات في مختلف القطاعات والمستويات مما يجعلنا نعتمد بشكل أساس على نقل الأشخاص والبضائع، فوعورة الطرق وبُعد المسافة جعلا معبر القمار الخيار الأخير الذي يمكن للمسافرين اللجوء إليه».

ويؤكد صاحب إحدى المحلات التجارية، رفض ذكر اسمه، أن «افتتاح المعبر لم يؤثر بأي شكل على تجارته التي ما تزال تتم بالطريقة نفسها، فهو لغاية اليوم يعمد إلى تأمين البضاعة التي يحتاجها من سوريا، لأنه ابن المنطقة ويعرف جيداً كافة معابرها وطرقها الفرعية». مع الإشارة الى أنه لا وجود لعمليات «تهريب» بالمعنى الفعلي للكلمة، فالأسعار «باتت متقاربة في البلدين، ويقتصر الأمر على بعض المنتوجات الغذائية وأدوات التنظيف»، لافتاً إلى «وجود العديد من المعابر، يمكن اعتمادها لتسهيل نقل البضائع بدون المرور عبر المعبر الرسمي».